مفهوم التحكيم وهدفه والحالات التي يتم فيه ا اللجوء إليه
يعتبر التحكيم في نظر الحقوقيين من أقدم الأنظمة التي اعتمدها الإنسان وسيلة لحل مشاكله وفض نزاعات حيث يعتقد أنه كان معروفا عند المقدونيين والبابليين .. وغيرهما من الحضارات القديمة كما أن نبي الله سليمان كان يقوم به 1 .
لذا سنحاول أن نتناول في (أولا) مفهوم وهدفه على أن نتناول في ( ثانيا) الحالات التي يتم فيها اللجوء إليه.
أولا: مفهوم التحكيم وهدفه
1- مفهوم التحكيم
إن التحكيم هو الوسيلة التي تهدف إلى وضع حد للنزاع الجماعي من طرف شخص أو هيئة أجنبية عنه، وذلك بمقتضى قرار ملزم، كما أنه الوسيلة التي تساعد من خلال قراراتها في إبرام الإتفاقيات الجماعية التي يعجز طرفاها عن التوصل إليها بمفردهما .
وبشكل أدق ف التحكيم هو اجراء اختيار يعتمده الطرفان المتنازعان ( العمال والمشغل)بمحض ارادتهما كوسيلة لحل نزاع الشغل القائم بينهما، ويقتضي هذا الإجراء انتقائهما معا لطرف محايد من غير القضاء يوكلان إليه أمر الفصل في النزاع بإصدار قرار تحكيمي يعتبرانه نهائيا وملزما لكليهما برضاهما وباتفاق مسبق بينهما.
ويستشف مما سبق أن إرادة أطراف النزاع )العمال والمشغل( عنصر أساسي يرتكز عليه نظام التحكيم وتتوقف عليه مصداقيته، ومن ثم فإن كل محاولة لإرغام هذا الطرف أو ذاك على اللجوء إلى التحكيم يشكل تقييدا لحريته في الاختيار ويؤدي إلى إلغاء ذلك الحاجز الذي يميز التحكيم عن القضاء. وهنا أشير إلى أن المشرع المغربي كاد يجرد نظام التحكيم من مصداقية عندما أجاز للوزير المكلف بالشغل تعيين محكم إذا ما تعذر توصل الأطراف إلى اتفاق على اختيار المحكم لأي سبب كان (الفصل 569 م ش) المغربي ونفس الشيء فعله المشرع الموريتاني م 40 ش موريتانيا .
إن ما يميز البلدان المتقدمة والتي تأخذ بالديمقراطية هو احترامها لإرادة أطراف النزاع وتشجيعهم على حل مشاكلهم بالطريقة التي يفضلونها ويختارونها، ولعل هذا هو سر نجاح التحكيم في نزاعات الشغل بتلك الدول
وأخيرا أشير إلى أنه قد ثار جدل فقهي كبير وما يزال حول طبيعة نظام التحكيم حيث انقسم الفقه إلى من ينادي بطبيعة القضائية ومن يحجب عنه تلك الطبيعة وينادي بطبيعته التنظيمية 2.
وأنا أميل إلى طبيعته التنظيمية وذلك لعدة اعتبارات يضيق المقام عن ذكرها بشكل مفصل، فمنها الطبيعة الاختيارية للتحكيم والسلطة الواسعة المخولة للحكم وكونه يستمد تلك السلطة من الأطراف وليس من الدولة، هذا فيما يتعلق بمفهوم التحكيم وطبيعة فماذا عن هدفه.
2-هدف التحكيم:
يهدف التحكيم إلى حل النزاع أو النقاط التي بقيت منه ولم تحل عن طريق المصالحة، كما يسعى إلى تحسين علاقات المتنازعين والارتقاء بها إلى مستوى عال من الانسجام والتعاون عكس القضاء الذي يكتفي بإقرار الذنب وفرض العقوبة. يقول روبيرت كولسون عضو الأكاديمية الوطنية للتحكيم بأمريكا) "إن النزاعات لا تنشئ من عدم بل تتمخض عن التناقضات المحيطة بعلاقات الشغل خصوصا أن لكل طرف مصلحة أكيدة في نجاح سير المؤسسة، فمن جهة نجد العمال ينشغلون بتأمين مناصب عملهم والحفاظ على حقوقهم ومكتسباتهم ويناضلون باستمرار من أجل الحصول على زيادة في الأجور وتحسين ظروف عملهم ومن جهة ثانية نرى أن شغل أرباب العمل الشاغل هو رفع من الإنتاج بتكلفة أقل ما تمكنهم من التصدي لمنافسهم وضمان حصتهم في السوق وتضخيم أرباحهم، ومعنى هذا ان الطرفين مصلحتهما تستوجب أن يحرصا معا على تفادي أي تعطيل أو انخفاض في الإنتاج وأن يسعيا إلى ضمان استمرارية علاقة الشغل القائمة بينهما وتحسينها، ولعل هذا ما يفسر تفضيل المنازعين في أحيان كثيرة نظام التحكيم على القضاء لحل مشاكلهم"
وأخيرا يمكن القول إن التحكيم قد تمكن من اختزال الزمن داخل سوق يطالب فيها المستهلكون (المشغلون والعمال) بنظام عادل وفعال. وذلك لبساطة إجراءاته وسرعته وسريته ولكون أقل تكلفة من غيره.
كان هذا عن مفهوم التحكيم وهدفه فما هي الحالات التي يتم اللجوء إليه؟
ثانيا: الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى التحكيم.
تعتبر المنازعات الجماعية للشغل من أهم المخاطر التي تهدد السير العادي للإنتاج داخل المؤسسات الصناعية والتجارية والفلاحية بل ومن أهم المخاطر التي تهدد السلم الاقتصادي والاجتماعي برمته، لذلك تعمل مختلف التشريعات المقارنة على إيجاد الوسائل الكفيلة بتجنب هذه المنازعات الجماعية وحلها بطرق سلمية،ووسائل تختلف من تشريع لأخر لذا نجد المشرع المغربي قد جعلها تندرج كما رأينا من المصالحة إلى التحكيم وهكذا فإذا فشلت إجراءات المصالحة في التقريب بين وجهة نظر أطراف النزاع الجماعي فإن التشريعات ومعها الأطراف أيضا لا تقف عند هذا الحد وإنما تسعى دائما إلى إيجاد الحل الذي يمكن من إيجاد مخرج للنزاع ويعيد التعاون بين عنصري الإنتاج ، وذلك من خلال عرض النزاع على وسيلة أخر ى من وسائل الحل السلمي هي التحكيم.
فطبقا للمادة 567 ق ش م فإنه يتم اللجوء إلى المسطرة التحكيم في الحالات التالية:
- إذا لم يحصل أي اتفاق أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة وكذا اللجنة الوطنية للبحثوالمصالحة.
- إذا اتفق الأطراف على تسوية بعض النقاط وبقيت هناك نقاط أخرى لم يتم الاتفاق بشأنها.
- إذا تخلف كل الأطراف عن الحضور أو تخلف أحدهم فقط عن الحضور أمام اللجنة الوطنية أوالإقليمية للبحث والمصالحة.
وطبقا للمادة 567 ق.ش.م فإن اللجنة المعنية هي التي تقوم بإحالة النزاع الجماعي على التحكيم بعد موافقة أطراف النزاع وفي هذه الحالة يقوم رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة أو رئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة عند الاقتضاء بإحالة الملف على الحكم خلال 48 ساعة الوالية لتحرير المحضر المتعلق بالنزاع كما يجب أن يكون هذا الملف مرفقا كذلك بالمحضر الذي حررته اللجنة في هذا الشأن، وبعد توصل الحكم بالملف والمحضر المذكورين ، عليه أن يقوم بتتبع إجراءات معينة من أجل إصدار قراره في القضية المعروضة عليه، وما يمكن ملاحظته هنا هو أن المشرع المغربي جعل مجرد إحالة النزاع على المصالحة إحالة ضمن ية له على التحكيم.
1- سعيد الشيلح، مقال بعنوان مزايا التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية المجلة المغربية للقانون الإجتماعي ، عدد 2 ،ص 69 .
2- سعيد الشيلح مرجع سابق ص 70 - 71