تدخل مفتشية الشغل بمسطرة الصلح التمهيدية
تعتبر مسطرة الصلح التمهيدي من بين أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل كآلية إدارية تراعي خصوصية القانون الاجتماعي وطابعه القضائي، وتتميز مسطرة الصلح التمهيدي في التشريع المغربي بكونها مسطرة اختيارية فليس في مدونة الشغل ما يلزم الأطرا
ف باللجوء إلى هده المسطرة ، كما أن سهولة الاتصال بجهاز التفتيش الشغل وتتميز المسطرة المتبعة أمامه بالمجانية والبساطة والسرعة بالإضافة إلى تواجده المستمر في قلب العلاقات الشغلية من العوامل التي جعلت الأجراء غالبا ما يفضلون اللجوء إليه لإيجاد حل ودي للنزاع الذي يمكن أن ينشب بينهم وبين منازعيهم .
- الإطار القانوني المنظم لمسطرة الصلح التمهيدي:
بالرجوع للنظام الأساسي الخاص بهيئة تفتيش الشغل والذي ينص في مادته الثالثة على أنه يضطلع مفتشو الشغل بالمهام المحددة في مدونة الشغل لاسيما : إجراء التصالح في نزاعات الشغل الفردية وتحرير محاضر الاتفاق النهائي أو الجزئي أو عند عدم التصالح وذالك بحسب الحالة ، والتوقيع عليه بالعطف وكذا تحرير وصول تصفية الحساب الخاصة بالإجراء الأميين وتوقيعهما بالعطف إضافة إلى المادة 41 من مدونة الشغل التي تنص على أنه : يمكن للأجير الذي فصل عن الشغل لسبب أعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي ، علاوة على ذلك ما جاء به النص في المادة 532 التي تنص على أنه :
تناط بالأعوان المكلفين بتفتيش الشغل المهام التالية :
- العمل على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل
- إعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجح الوسائل لمراعاة الأحكام القانونية
- إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها .
- إجراء محاولات التصالح في نزاعات الشغل الفردية .
من خلال هذه المواد يتضح أن مفتش الشغل يقوم بمهام عدة ، وتبقى المهمة الأسمى التي يقوم بها هي إجراء محاولة الصلح في نزاعات الشغل الفردية وهي من بين المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل كما سلف الذكر بعدما أملتها ظروف الواقع العملي .
- الاختصاص التصالحي لمفتش الشغل بين الفقه والقضاء :
لقد أدى الدور الاجتماعي والاستشاري الذي يقوم به مفتش الشغل إلى ضرورة القيام بمحاولة الصلح بين طرفي النزاع في علاقات الشغل الفردية الأمر الذي أكدته مدونة الشغل عبر إقرارها للاختصاص التصالحي لمفتش الشغل مما أدى إلى جدل فقهي وقضائي بهذا الخصوص.
أولا : موقف الفقه من الاختصاص التصالحي لمفتش الشغل :
انقسم الفقه حول مسألة الاختصاص التصالحي الذي يجريه مفتش الشغل بين مؤيد ومعارض حيث ذهب الاتجاه المؤيد أن الدور الذي يقوم به مفتش الشغل كثيرا ما يوفق فيه على غرار باقي المهام المنوطة به بموجب القانون وذلك راجع إلى نوعية العلاقة التي تربط مفتشي الشغل مع طرفي النزاع وتوظيفهم لمختلف مؤهلاتهم وخبراتهم من أجل إقناع الأطراف بعقد الصلح . وعموما فإن الاتجاه الغالب في الفقه ظل يدعو إلى تكريس الاختصاص التصالحي لمفتش الشغل وهو الأمر الذي سلكته مدونة الشغل في المادة 532 وفي الحقيقة يعتبر مسلكا محمودا .
أم الاتجاه المعارض لقيام مفتش الشغل بمهمة الصلح ، فهم يعتبرون إسناد مهمة الصلح لمفتش الشغل أمر مجانب للصواب ، لاعتبارات من أهمها قيام مفتش الشغل بهذه المهمة يتعارض مع مهام مفتشي الشغل في مجال المراقبة
كما أن إسناد مهمة الصلح إلى مفتش الشغل بنص القانون ، يجعل هذا الأخير غير منسجما مع ما تنص عليه المادة الثالثة من اتفاقية العمل الدولية رقم 81 المتعلقة بتفتيش الشغل في الصناعة والتجارة والتي نصت على أنه : " إذاعهد إلى مفتش الشغل بمهام أخرى ، فيجب ألا يتعارض بأي حال مع عملهم الأصلي لا تخل بالحياد الذي يجب توافره لدى المفتشين في علاقتهم بالمشغلين والأجراء .
ثانيا : موقف القضاء من الاختصاص التصالحي لمفتش الشغل
يعد الصلح في المادة الاجتماعية العنصر المشترك بين مفتشي الشغل والقضاء الاجتماعي ويمكن أن يشكل مجالا خصبا لبروز نوع من التعاون بينهما ، مما يطرح التساؤل حول موقف القضاء من الاختصاص التصالحي لجهاز تفتيش الشغل باعتباره اختصاصا واقعيا وما موقفه منه في ظل التكريس القانوني له ،
1- موقف القضاء في الصلح كاختصاص واقعي :
أمام الجدل الفقهي حول الاختصاص التصالحي لجهاز تفتيش الشغل ، والذي حسمته مدونة الشغل ؟ وجب البحث عن موقف القضاء بخصوص الصلح المبرم أمام مفتش الشغل قبل إقراره في مدونة الشغل باعتباره اختصاصا واقعيا وغير مستند لأي أساس قانوني ، حيث ذهب بعض الفقه إلى القول بأن إحداث المشرع لتقنية التوصيل عن صافي كل حساب عند أي إعفاء يبغي أن المشرع تخلى عن الصلح المدني في إطار المنازعات الشغلية . 4
إلا أن المشرع المغربي وبالرغم من نصه على ضرورة إتباع تقنية التوصيل عن صافي كل حساب ورغم أن هذه التقنية أكثر حماية لحقوق الأجير ، إلا أنه لم يلغي من خلال الفصل 745 من ق.ل.ع الصيغ الصلحية الأخرى ، وعليه فإن لجوء الأجراء والمؤاجرين إلى الصلح المدني لإنهاء نزاعاتهم يبقى صحيحا وسليما من الناحية القانونية .
لكن في المقابل نجد العمل قد سار في اتجاه معاكس للفقه وللنصوص التشريعية خاصة الفصل 754 و 1100 من ق.ل.عقد قرر صحة الصلح المبرم بين الأجير ومشغله بشكل مباشر وبدون وسيط. 5 فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة : "وحيث إن المشرع المغربي وإن كان يروم في ميدان الشغل التخلي عن الصلح بمفهومه المدني لفائدة وصل تصفية الحساب المنظم بمقتضى الفصل 745 في ق.ل.ع إلا أنه لم يلغ الصيغ المصلحية الأخرى...وحيث أن توقيع عقد الصلح من طرف المدعي في تاريخ لاحق عن الوصل يكون مما أفرغ لحق مراجعة وصل تصفية كل حساب من محتواه ورضخ إلى وسيلة إبراء مدنية.
فيما جاء في قرار صادر عن محكمة النقض ما يلي: " إن القرار المطعون فيه رد ذلك الدفع بتعليل خاطئ عندما نص بأن مقتضيات الفصل 1098 المتعلق بالصلح لا تسري على القضايا الاجتماعية التي تخضع في الصلح المبرم فيها إلى مقتضيات الفصل 745 من ق.ل.ع وإنما يتعلق بالوصل الذي يعطيه الأجير لرب العمل عند فسخ أو انقضاء عقدة العمل بتصفية الحسابات اتجاهه ، فإن مقتضيات الصلح المنصوص عليها بداية من الفصل 1098 من ق.ل.ع تبقى ثابتة وبرد القرار المطعون الدفع على النحو المذكور يكون معللا تعليلا خاطئا ينزل منزلة انعدام خارقا بذلك مقتضيات الفصل 1098 من ق.ل.عمما يعرضه للنقض...
وهكذا يتضح لنا من خلال هذه الأحكام والقرارات الصادرة في المادة الاجتماعية على أن الصلح المقرر في ق.ل.ع أمر معمول به في مجال نزاعات الشغل دون استثناء ، رغم الخصوصيات التي يتميز بها قانون الشغل ، وأن القضاء أخد بالصلح المبرم بمعية مفتش الشغل بالرغم من عدم التكريس القانوني له ، حيث يعد ذلك مظهرا من مظاهر التعاون بين جهاز القضاء وجهاز تفتيش الشغل .
2- موقف القضاء من الصلح كاختصاص قانوني :
أمام التضارب السابق لصدور مدونة الشغل فإن المشرع حسم هذه النقطة بتخويل مفتشية الشغل كآلية إدارية مهمة السهر على حسن تطبيق القانون الاجتماعي وخاصته من خلال الدور التصالحي المنوط بها، والذي تضمنه في محاضر على قدر من الحجية وتعمل على التصدي للنزاعات قبل اللجوء إلى المحاكم. 8 وبالرجوع إلى الأحكام والقرارات الصادرة من محاكم المملكة فالملاحظ أن معظمها ذهب في اتجاه الأخذ بالصلح أمام مفتش الشغل وذلك بعد التكريس القانوني للاختصاص التصالحي لجهاز تفتيش الشغل.
ففي أحد الأحكام الصادرة عن ابتدائية سطات ذهبت فيه إلى الاعتداد بالصلح المبرم تحت إشراف مفتش الشغل ورفض التماس بإلغاء محضر الصلح حيث جاء في إحدى حيثياته : "...وحيث أن الرجوع إلى محضر الاتفاق المؤرخ في 17 / 02 / 2010 الذي حصل بمقتضاه الأجير على مبلغ 410599،44 درهم نجده يتضمن كافة الشروط الشكلية التي تطلبتها المادة 41 من م.ش حيث تمت الإشارة إلى أن هذا الاتفاق يعتبر في نفس الوقت توصيل استلام مبلغ التعويض، وتم التوقيع عليه من طرف الأجير والمشغل والمصادقة على صحة الإمضاء من طرف الجهة المختصة بالإضافة إلى التوقيع عليه بالعطف من طرف العون المكلف بالتفتيش... "
كما جاء في حيثيات حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط ما يلي : وفي قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط اعتبر أن محضر التصالح بمثابة حجة لإثبات الصفة ، حيث جاء فيه : "...وحيث إنه فيما يخص بقية الدفوع المتعلقة بصفة المستأنف عليها كمستخدمه وشهادة الشاهدة المستمع عليها ابتدائيا، فإنه ثابت من خلال الإطلاع على وثائق الملف أن المستأنف عليها ثابتة في النزاع، وذلك استنادا إلى محضر تبليغ إنذار الموجه من طرف العون القضائي عدنان سعيد ملف عدد 4 - 55 - 65 . وحيث إنه من جهة أخرى فإن محضر عدم التصالح لمفتشية الشرطة يفيد أيضا ما يثبت صفة المستأنف عليها ومن تم هذا الدفع لا أثر له أيضا ويتعين رده "
في المقال التالي سنخصصه للحديث عن إجراءات وحدود مسطر الصلح التمهيدي.
الهوامش:
فاطمة شاوف: حماية الأجراء من الفصل التعسفي دراسة على ضوء مدونة الشغل والعمل القضائي ، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص في القانون والمقاولة ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة ابن زهر اكادير السنة الجامعية 2011 / 2012
عبد اللطيف الخالفي : الوسيط في مدونة الشغل ، الجزء الثاني علاقات الشغل الجماعية ، المطبعة والوراقة مراكش
حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسطات بتاريخ 21 / 06 / 2010 رقم 549 / 10 / 13 . 10. 151/06/697 عدد 253 رقم 2008/03/04 قرار صادر عن محكمة الاستئناف بتاريخ