أولا: إجراءات مسطرة الصلح التمهيدي:
إن ممارسة مسطرة الصلح التمهيدي كتقنية لتسوية نزاعات الشغل الفردية، تقتضي تدخل مجموعة من الأطراف ، الأجير والمشغل من جهة والعون المكلف بتفتيش الشغل من جهة ثانية، وفق إجراءات وشكليات محددة تضمن تفعيل هذه المسطرة ، فإذا كانت المادة 41 من مدونة الشغل حددت الإجراءات الواجب احترامها لصحة الاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه من قبل طرفي النزاع فالملاحظ أن المشرع أغفل باقي الإجراءات المرتبطة بكيفية ممارسة هذه المسطرة السبل الكفيلة بتحديد مختلف إجراءات ممارسة مسطرة الصلح التمهيدي والتي تثير الخصوصيات المسطرية كل نزاعات الشغل الفردية والمتمثلة فيما يلي :
- تقديم طلب إجراء مسطرة الصلح التمهيدي : بالرغم من أن المشرع لم يتطرق بتاتا إلى تنظيم هذا الإجراء، إلا أن مباشرة مسطرة الصلح التمهيدي عموما تقتضي تقديم طلب من قبل الأجير إلى العون المكلف بتفتيش الشغل، حتى يتمكن هذا الأخير من التدخل لإجراء محاولة التصالح، وأن إحالة النزاع على العون المكلف بتفتيش الشغل قد يتم كتابة أو شفهيا. وقد جرت العادة أنه في حالة وقوع نزاع بين طرفي العلاقة الشغلية ، أن يبادر الأجير إلى اللجوء لمفتشية الشغل، وبعد استقباله من طرف أحد الأعوان والاستمتاع إلى شكايته ومطالبه، يقوم العون بكتابة اسم الأجير المشتكي والمؤسسة التي ينتمي إليها في سجل مخصص لذلك، وكذا تحديد نوعية مطالبه 1 ، قبل أن يبادر إلى استدعاء المشغل لإجراء محاولة التصالح .
- الاستدعاء وحضور الأطراف : على خلاف الصلح في نزاعات الشغل الجماعية 2 لم تتضمن مدونة الشغل أي مقتضى يتعلق بإجراءات استدعاء وحضور الأطراف في نزاعات الشغل الفردية ، إلا انه من الناحية العملية يقوم العون المكلف بتفتيش الشغل باستدعاء المشغل لإجراء محاولة التصالح ، ويتخذ هذا الاستدعاء غالبا شكل مراسلة يطالب فيها المشغل، الحضور شخصيا أو بواسطة ممثله القانوني للمشاركة في إجراء محاولة التصالح، ويعتبر حضور هذا الأخير والامتثال لأوامر العون للمشاركة في اجتماع التصالح في اليوم والساعة المحددين في الاستدعاء أمرا اختياريا والتزاما أدبيا لعدم وجود نص يلزمه بذلك، وإجمالا فإن البث في النزاع يقتضي استجابة الأطراف للاستدعاء والمثول أمام العون للمشاركة في إجراء محاولة الصلح وبالتالي فإن تغيب المشغل أو امتناعه عن الحضور، يعتبر بمثابة فشل لمسطرة الصلح التمهيدي.
- البث في النزاع :
ثانيا: حدود إجراءات مسطرة الصلح التمهيدي :
إذا كانت مسطرة الصلح التمهيدي وسيلة بديلة تهدف إلى تسوية نزاعات الشغل الفردية بشكل توافقي فإن تحقيق الغاية رهين بتوافق إرادة طرفي العلاقة الشغلية، فإن تدخل العون المكلف بتفتيش الشغل القائم لا يفرض عليه ضرورة تسوية النزاع لمجرد سلوك الأطراف لهذه المسطرة، فمسطرة الصلح تبعا لذلك قد تنجح في تسوية النزاع القائم بين طرفي العلاقة الشغلية كما قد تبوء بالفشل مما يقتضي من الطرفين الانتقال إلى المرحلة القضائية لحسم النزاع.
- نجاح مسطرة الصلح التمهيدي :
يترتب على نجاح مسطرة الصلح التمهيدي إما إرجاع الأجير إلى عمله في المؤسسة وإما بالاتفاق على أداء تعويض معين حاسم للنزاع القائم بين الأطراف.
- الاتفاق المفضي إلى رجوع الأجير لعمله : يعتبر اتفاق الصلح المفضي إلى إرجاع الأجير لعمله من أهم النتائج التي تكرس مبدأ استقرار الشغل، بل تكاد تكون الفائدة الوحيدة للصلح في نزاعات الشغل الفردية، أهمية تنبه إليها المشرع من خلال نصه على مبدأ المزاوجة بين خيار إرجاع الأجير إلى عمله وحصوله على تعويض كنتيجة لنجاح المسطرة. فمتى نجح العون المكلف بتفتيش الشغل في إرجاع الأخير إلى منصبه داخل المؤسسة يتمكن هذا الأخير من مباشرة نشاطه المهني، وهكذا يتم حسم النزاع دون أن يستحق الأجير أي تعويض إلا ما يتعلق بمبالغ الأجدر المستحقة من تاريخ الفصل من العمل إلى تاريخ الرجوع 3.
- الاتفاق المنصب على أداء التعويض : يعتبر الاتفاق المنصب على التعويض أكثر الخيارات أو الحلول تداولا في حالة نجاح هذه المسطرة وذاك لما سيشكله مبدأ إرجاع الأجير إلى شغله خاصة في ظل تقارب المصالح بين طرفي النزاع، ولقد اشترط المشرع المغربي صراحة في المادة 41 من مدونة الشغل بأن يتم التوقيع على توصيل استلام مبلغ التعويض من طرف الأجير من جهة والمشغل أو من ينوب عنه من جهة ثانية، كما يجب أن يكون مصادقا على صحته من طرف الجهة المختصة فضلا عن التوقيع بالعطف من طرف العون المكلف بتفتيش الشغل. وفيما يتعلق بطبيعة التعويض الذي يحصل عليه الأجير، فالمشرع المغربي أكد ذلك بنص صريح، فهل يقتصر نطاقه على التعويض عن الضرر الناتج عن الفصل التعسفي فقط تماشيا مع صيغة المفرد التي جاءت عليها كلمة التعويض في المادة 41 من مدونة الشغل، أم أنها تشمل مختلف التعويضات المستحقة للأجير والتي لم يعمل المشغل على أدائها له كنتيجة للفصل التعسفي.
- فشل مسطرة الصلح التمهيدي :
قد يتعذر إبرام اتفاق الصلح التمهيدي بين الأجير والمشغل لاختلاف الطرفين أو لرفض حضور المشغل رغم استدعائه أو لغيرها من الأسباب، مما يفسر فشل محاولات التصالح. ففي هذه الحالة يحرر العون المكلف بتفتيش الشغل وذلك حسب ما جاء في الفقرة الأخيرة في المادة 532 من مدونة الشغل. وفي هذه الحالة يحق للأجير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة وذلك حسب مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 41 التي تنص على أنه : " في حالة تعذر أي اتفاق بواسطته الصلح التمهيدي يحق للأجير رفع دعوى أمام المحكمة المختصة، التي لها أن تحكم في حالة ثبوت فصل الأجير تعسفيا، إما بإرجاع الأجير إلى شغله أو حصوله على تعويض عن الضرر، يحدد مبلغه على أساس أجر شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة، وتكون لهذا المحضر قوة ابرائية في حدود المبالغ المبينة فيه . 4
الهوامش:
1- نادية أكاو : مفتشية الشغل كهيئة متدخلة في علاقة الشغل، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية الحقوق، الرباط السنة الجامعي 2007/2006 ص71
2- المادة 554 من مدونة الشغل
3- عبد اللطيف الخالفي : الوسيط في مدونة الشغل الجزء الأول علاقت الشغل الفردية مطبعة الوراقة الوطنية الطبعة الأولى مراكش 2004 ص 499.
4- لبنى مصباحي :الخصوصيات المسطرة لنزاعات الشغل الفردية في القانون المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال، كلية ع،ق،إ،ح المحمدية