تعترف اغلب دول العالم بالإضراب كحق من الحقوق الأساسية الإنسانية للعمال، وهو وسيلة مشروعة للمطالبة بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والدفاع عنها إزاء سلطة ونفوذ المشغلين، وقد كان ينظر اليه قديما كوسيلة عنف وتهديد ومصدرا للفوضى وعدم استقرار في العلاقات الشغلية.
وقد عرف المشرع المغربي الإضراب بأنه هو كل توقف جماعي عن العمل بصفة مدبرة ولمدة محددة من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الإجتماعية أو الإقتصادية المباشرة للأجراء المضربين .أما على مستوى الفقه نجد أنه أعطى الإضراب العديد من التعاريف والتي ان اختلفت لفظا فأنها واحدة من حيث المعنى وتصب كلها نحو تعريف الإضراب بأنه ذلك التوقف الجماعي المؤقت عن الشغل بهدف تحقيق مطالب ذات طابع مهني ومن بين هذه التعاريف نجد على أنه "كل توقف جماعي عن العمل بصورة مؤقتة ومتفق بشأنها بين العمال وذلك مجابهة بيد الأجراء للدفاع عن مصالحهم المهنية"
ويشكل الفصل 29 من الدستور المغربي لسنة 2011 أهم مصدر لمشروعية حق الإضراب حيث جاء فيه "... حق الإضراب حق مضمون ويصدر قانون تنظيمي يبين شروط وكيفية ممارسته" فبالرغم من عدم صدور القانون التنظيمي فالفصل 29 من الدستور يعد مصدرا من مصادر مشروعية الإضراب وإن كانت بعض الجهات تستدل بغياب نص تنظيمي للطعن في مشروعية ممارسة حق الإضراب إلا أن هذا التأويل لم يحظ بقبول جل الفقه والمنظمات النقابية لأن عدم تنظيم حق الإضراب لا يعني تجميده.
وعلاوة على الفصل 29 من الدستور فمقتضيات مدونة الشغل وخاصة المادة 32 1 منها تنص على ان عقد الشغل يكون متوقفا خلال مدة الإضراب وهذا ما يؤكد ضمنيا على مشروعية حق الإضراب.
ويتخذ الإضراب أشكالا متعددة فهناك الإضراب الإنذاري وهو إضراب يقتصر على توجيه إنذار من الأجراء إلى مشغلهم يشعرونه من خلاله بلجوئهم الى توقيف العمل إذا لم يستجب لمطالبهم ويكون التوقف في هذا النوع من الإضرابات اما وقت العمل أو بدايته أو وسطه ولمدة محددة مع التزام العمال بأماكن عملهم دون ممارستهم أي نشاط.
والنوع الثاني هو الإضراب التناوبي ويتم هذا الإضراب بصفة قوية ومتتابعة حيث يتوقف فيه الإجراء عن العمل بالتناوب 2 بمعنى أن تمتنع فئة من العمال مدة معينة ومحددة لتليها فئة أخرى بعد استعادة الفئة الأولى لنشاطها.
ثم هناك نوع أخر هو الإضراب التضامني وهو عبارة عن تضامن إجراء مؤسسة أخرى مضربين عن العمل ويطرح هذا النوع الأخير من الإضرابات تساؤلات حول مدى مشروعية؟
ولقد جاء في قرار صادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 200/3/14 في ملف اجتماعي عدد 99/1/5/51ما يلي: "لكن حيث أن القرار اعتمد في تعليله على ان الطاعن قد قام بإضراب تضامني مع عامل تم توقيفه عن العمل من طرف مشغله وهو ما ثبت للمحكمة من شهادة الشهود المستمع إليه في المرحلة الابتدائية و الإضراب و ان كان حق مشروع فان الغاية منه الدفاع عن حقوق مكتسبة و مشروعة وان الإضراب التضامني لا يهدف إلى مصلحة عامة للمضربين و بالتالي يشكل عمل غير مشروع 3" و الملاحظ من خلال هذا القرار أن المجلس الأعلى يعتمد على معايير للقول بمشروعية و صحة ممارسة حق الإضراب و هو أن يتعلق الأمر بأحد أطراف النزاع مؤطرين تأطيرا قانونيا آو على الأقل تأطير واقعي، ثم أن يكون هدف هؤلاء العمال الدفاع عن مصالحهم المشروعة.
وخلاصة يمكن القول بأن الإضراب يحتل مكانة هامة في نطاق علاقات الشغل الجماعية لكونه الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق المطالب إلا أن عدم تحديد ضوابط ممارسة هذا الحق تبقى من إبراز التحديات التي تعتريه.
في المقال الموالي سنتطرق للشكل الثاني (الاغلاق)
الهوامش
1 المادة 32 من مدونة الشغل "يتوقف عقد الشغل مؤقتا اثناء.............6- مدة الإضراب"
2 محمد بنحساين مرجع سابق ص 160
3 قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 2001/58/57 ص 301